فصل: الطرف الخامس في جلوس الوزير للمظالم إذا كان صاحب سيف وترتيب جلوسه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الطرف الخامس في جلوس الوزير للمظالم إذا كان صاحب سيف وترتيب جلوسه:

يجلس الوزير في صدر المكان، وقاض القضاة مقابله، وعن جانبيه شاهدان من المعتبرين، وكاتب الوزير بالقلم الدقيق، ويليه صاحب ديوان المال، وبين يده صاحب الباب واسفهسلارٌ، وبين أيديهما النواب والحجاب على طبقاتهم. وذلك يومان في الاسبوع.
وقد رثاهم عمارة اليمني بعد انقراضهم واستيلاء صلاح الدين بن أيوب على المملكة بقصيدة وصف فيها مملكتهم، وعد مواكبهم، وحكى مكارمهم، وجلى محاسنهم، وهي:
رميت يا دهر كف المجد بالشلل ** وجيده بعد حسن الحلي بالعطل

سعيت في منهج الرأي العثور فإن ** قدرت من عثرات الدهر فاستقل

جدعت مارنك الأقنى فأنفك لا ** ينفك ما بين أمر الشين والخجل

هدمت ققاعدة المعروف عن عجل ** شقيت مهلاً أما تمشي على مهل

لهفي ولهف بني الآمال قاطبةً ** على فجيعتها في أكرم الدول

قدمت مصر فأولتني خلائفها ** من المكارم ما أربى على أملي

قومٌ عرفت لهم كسب الألوف ومن ** كمالها أنها جاءت ولم أسل

وكنت منت وزراء الدست حيث سما ** رأس الحصان بهاديه على الكفل

ونلت من عظماء الجيش تكرمةً ** وخلةً حرست من عارض الخلل

يا عاذلي في هوى أبناء فاطمةٍ ** لك الملامة إن قصرت في عذلي

بالله! زر ساحة القصرين وابك معي ** عليهما لا على صفين والجمل!

وقل لأهليهما والله ما التحمت ** فيكم جروحي ولا قرحي بمندمل

ماذا ترى الإفرنج فاعلةً ** في نسل آل أمير المؤمنين علي

هل كان في الأمر شيءٌ غير قسمة ما ** ملكتمو بين حكم السبي والنفل

وقد حصلتم عليها واسم جدكم ** محمدٌ وأبوكم خير منتعل

مررت بالقصر والأركان خاليةٌ ** من الوفود وكانت قبلة القبل

فملت عنها بوجهٍ خوف منتقدٍ ** من الأعادي ووجه الود لم يمل

أسبلت من أسفي دمعي غداة خلت ** رحابكم وغدت مهجورة السبل

أبكي على مأثراتٍ من مكارم ** حال الزمان عليها وهي لم تحل

دار الضيافة كانت أنس وافدكم ** واليوم أوحش من رسم ومن طلل

وفطرة الصوم إذ أضحت مكارمكم ** تشكو من الدهر حيفاً غير محتمل

وكسوة الناس في الفصلين قد درست ** ورث منها جديدٌ عندهم وبلي

وموسمٌ كان في يوم الخليج لكم ** يأتي تجملكم فيه على الجمل

وأول العام والعيدين كم لكم ** فيهن من وبل جودٍ ليس بالوشل

والأرض تهتز في يوم الغدير كما ** يهتز ما بين قصريكم من الأسل

والخيل تعرض في وشيٍ وفي شيةٍ ** مثل العرائس في حلي وفي حلل

وما حملتم قرى الأضياف من سعة الأط ** باق إلا على الأكتاف والعجل

وما خصصتم ببر أهل مملكةٍ ** حتى عممتم به الأقصى من الملل

كانت رواتبكم لوافدين وللض ** يف المقيم والطاري من الرسل

ثم الطراز بتنيس الذي عظمت ** منه الصلات لأهل الأرض والدول

وللجوامع من أخماسكم نعمٌ ** ممن تصدر في علم وفي عمل

وربما عادت الدنيا فمعلقها ** منكم وأضحت بكم محلولة العقل

والله! لا فاز يوم الحشر مبغضكم ** ولا نجا من عذاب النار غير ولي

ولا سقي الماء من حر ومن ظمأٍ ** من كف خير البرايا خاتم الرسل

ولا رأى جنة الله التي خلقت ** من خان عهد الإمام العاضد بن علي

أئمتى وهداتي والذخيرة لي ** إذا ارتهنت بما قدمت من عمل

والله لم نوفهم في المدح حقهم ** لأن فضلهم كالوابل الهطل

ولو تضاعفت الأقوال واستبقت ** ما كنت فيهم بحمد الله بالخجل

باب النجاة هم دنيا وآخرةً ** وحبهم فهو أصل الدين والعمل

نور الدجى ومصابيح الهدى وهم ** من نور خالص نور الله لم يغل

والله لا زلت عن حبي لهم أبداً ** ما أخر الله لي في مدة الأجل

قلت: وعمارة هذا لم يكن على معتقد الشيعة بل كان فقيهاً شافعياً، قدم مصر برسالة عن القاسم بن هاشم بن أبي فليتة أمير مكة إلى الفائز أحد خلفائهم في سنة خمسين وخمسمائة في وزارة الصالح طلائع بن رزيك، فأحسنوا له وبالغوا في بره، فأقام عندهم وتألف بهم، وأتى فيهم من المدح بما بهر العقول. ولم يزل موالياً لهم حتى زالت دولتهم واستولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، فرثاهم بهذه القصيدة، فكانت آخر أسباب حتفه، فصلب فيمن صلب بين القصرين من أتباع الدولة الفاطمية.
الحالة الثالثة من أحوال المملكة ما عليه ترتيب المملكة من ابتداء الدولة الأيوبية وإلى زماننا:
واعلم أن الدولة الأيوبية لما طرأت على الدولة الفاطمية وخلفتها في الديار المصرية، خالفتها في كثير من ترتيب المملكة، وغيرت غالب معالمها، وجرت على ما كانت عليه الدولة الأتابكية عماد الدين زنكي بالموصل، ثم ولده الملك العادل نور الدين محمود بالشام وما معه؛ وكان من شأنهم أنهم يلبسون الكلوتات الصفر على رؤوسهم مكشوفة بغير عمائم، وذوائب شعورهم مرخاة تحتها سواء في ذلك المماليك والأمراء وغيرهم، حتى يحكى عن الملك المعظم عيسى بن العادل أبي بكر صاحب دمشق في اطراح التكلف: أنه كان يلبس الكلوتة الصفراء بلا شاش، ويخترق الأسواق من غير أن يطرق بين يديه كغيره من الملوك، وكان سيف الدين غازي بن عماد الدين زنكي حين ملك الموصل بعد أبيه أحدث حمل السنجق على رأسه، فتبعه الملوك على ذلك؛ وألزم الأجناد أن يشدوا السيوف في أوساطهم، ويجعلوا الدبابيس تحت ركبهم عند الركوب كما حكاه السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه.
فلما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله الديار المصرية، جرى على هذا المنهج أو ما قاربه، وجاءت الدولة التركية، وقد تنقحت المملكة وترتبت، فأخذت في الزيادة في تحسين الترتيب وتنضيد الملك وقيام أبهته، ونقلت عن كل مملكة أحسن ما فيها، فسلكت سبيله ونسجت على منواله حتى تهذبت وترتبت أحسن ترتيب، وفاقت سائر الممالك، وفخر ملكها على سائر الملوك.
ولم يزل السلطان والجند يلبسون الكلوتة الصفراء بغير عمامة إلى أن ولي السلطان الملك الأشرف خليل بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون السلطنة، فأحدث الشاش عليها فجاءت في نهاية من الحسن، وصاروا يلبسونها فوق الذوائب الشعر المرخاة على ما كان عليه الأمر أولاً إلى أن حج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثالثة، فحلق رأسه وحلق الناس رؤوسهم، واستداموا حلق رؤوسهم وتركت ذوائب الشعر إلى الآن.
ويتعلق القول من ذلك بعشرة مقاصد.

.المقصد الأول في ذكر رسوم الملك وآلاته:

وهو أنواع كثيرة، بعضها عام في الملوك أو أكثرهم، وبعضها خاص بهذه المملكة منها: سرير الملك ويقال له تخت الملك. وهو من الأمور العامة للملوك، وقد تقدم أن أول من اتخذ مرتبة للجلوس عليها في الإسلام معاوية رضي الله عنه حين بدن، ثم تنافس الخلفاء والملوك بعده في الإسلام في ذلك حتى اتخذوا الأسرة، كانت أسرة خلفاء بني العباس ببغداد يبلغ علوها نحو سبعة أذرع. وهو في هذه المملكة منبر من رخام بصدر إيوان السلطان الذي يجلس فيه على هيئة منابر الجوامع إلا إنه مستند إلى الحائط، وهذا المنبر يجلس عليه السلطان في يوم مهم كقدوم رسل عليه ونحو ذلك؛ وفي سائر الأيام يجلس على كرسي من خشب مغشى بالحرير إذا أرخى رجليه كادتا أن تلحقا الأرض، وفي داخل قصوره يجلس على كرسي صغير من حديد يحمل معه إلى حيث يجلس.
ومنها: المقصورة للصلاة في الجامع. وقد تقدم في الكلام على ترتيب الخلافة أن أول من اتخذها في الإسلام معاوية، وقد صارت سنةً لملوك الإسلام بعد ذلك تمييزاً للسلطان عن غيره من الرعية، وهي في هذه المملكة مقصورةٌ بجامع قلعة الجبل على القرب من المنبر متخذةٌ من شباك حديد محكمة الصنعة، يصلي فيها السلطان ومن معه من أخصاء خاصكيته يوم الجمعة.
ومنها: نقش اسم السلطان على ما ينسج ويرقم من الكسوة والطرز المتخذة من الحرير أو الذهب بلون مخالف للون القماش أو الطرز لتصير الثياب والطرز السلطانية مميزة عن غيرها، تنويها بقدر لابسها: من السلطان أو من يشرفه بلبسها عند ولاية وظيفة أو إنعام أو غير ذلك. ولذلك دارٌ مفردة بعمله بالإسكندرية تعرف بدار الطراز، وعلى ذلك كانت خلفاء الدولتين: بني أمية وبني العباس حين كانت الخلافة قائمة.
ومنها: الغاشية. وهي غاشية سرج من أديم مخروزة بالذهب، يخالها الناظر جميعها مصنوعة من الذهب، تحمل بين يديه عند الركوب في المواكب الحفلة كالميادين والأعياد ونحوها، يحملها الركاب دارية، رافعاً لها على يديه يلفتها يميناً وشمالاً، وهي من خواص هذه المملكة.
ومنها: المظلة. ويعبر عنها بالجتر بجيم مكسورة، قد تبدل شيناً معجمة، وتاء مثناه فوق؛ وهي قبةٌ من حرير أصفر مزركش بالذهب؛ على أعلاها طائرٌ من فضة مطلية بالذهب، تحمل على رأسه من العيدين. وهي من بقايا الدولة الفاطمية، وقد تقدم الكلام عليها مبسوطاً في الكلام على ترتيب مملكتهم.
ومنها: الرقبة. وهي رقبة من أطلس أصفر مزركشة بالذهب بحيث لا يرى الأطلس لتراكم الذهب عليها؛ تجعل على رقبة الفرس في العيدين والميادين من تحت أذني الفرس إلى نهاية عرفه؛ وهي من خواص هذه المملكة.
ومنها: الجفتة وهما اثنان من أوشاقية إصطبله قريبان في السن، عليهما قباءان أصفران من حرير بطراز من زركش، وعلى رأسيهما قبعتان من زركش، وتحتهما فرسان أشهبان برقبتين وعدة، نظير ما السلطان راكب به كأنهما معدان لأن يركبهما يركبان أمامه في أوقات مخصوصة كالركوب للعب الكرة في الميدان الكبير ونحو ذلك، وهما من خواص هذه المملكة.
ومنها: الأعلام. وهي عدة رايات، منها راية عظيمة من حرير أصفر مطرزة بالذهب، عليها ألقاب السلطان واسمه، وتسمى العصابة؛ وراية عظيمة في رأسها خصلة من الشعر تسمى الحاليش؛ ورايات صفر صغار تسمى السناجق.
زنكي، وهو أخو السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام.
ومنها: الطبلخاناه. وهي طبول متعددة معها أبواق وزمر تختلف أصواتها على إيقاع مخصوص، تدق في كل ليلة بالقلعة بعد صلاة المغرب، وتكون صحبة الطلب في الأسفار والحروب، وهي من آلات العامة لجميع الملوك. ويقال إن الإسكندر كان معه أربعون حملاً طبلخاناه، وقد كتب أرسطو في كتاب السياسة الذي كتبه للإسكندر أن السر في ذلك إرهاب العدو في الحرب. والذي ذهب إليه بعض المحققين أن السر في ذلك أن في أصواتها تهييجاً للنفس عند الحرب وتقوية الجأش كما تنفعل الإبل بالحداء ونحو ذلك.
ومنها: الكوسات. وهي صنوجات من نحاس شبه الترس الصغير، يدق بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص، ومع ذلك طبولٌ وشبابة، يدق بها مرتين في القلعة كل ليلة، ويدار بها في جوانبها مرة بعد العشاء الآخرة، ومرة قبل التسبيح على الموادن، وتسمى الدورة بذلك في القلعة، وكذلك إذا كان السلطان في السفر تدور حول خيمه.
ومنها: الخيام والفساطيط في الأسفار. ولهذا السلطان من ذلك المدد الكبير، تتخذ له الخيام العظيمة الشأن المختلفة المقادير والصنعة من القطن الشامي الملون بالأبيض والأحمر والأزرق وغيرها، وكذلك من الجوخ المختلف الألوان مما يدهش بحسنه العقول: لينوب مناب قصورهم في الإقامة، وسيأتي ذكر أمور أخرى من آلات الملك سوى ما تقدم منفردة في أماكنها إن شاء الله تعالى.

.المقصد الثاني في حواصل السلطان:

وهي على أربعة أنواع:
النوع الأول: الحواصل المعبرة عنها بالبيوت:
وذلك أنهم يضيفون كل واحد منها إلى لفظ خاناه كالطشت خاناه، والشراب خاناه ونحوهما؛ وخاناه لفظ فارسي معناه البيت، والمعنى بيت كذا إلا أنهم يؤخرون المضاف على المضاف إليه على عادة العجم في ذلك، وهي ثمانية بيوت: الأول الشراب خاناه. ومعناه بيت الشراب، وتشتمل على أنواع الأشربة المرصدة لخاص السلطان، والمشروب الخاص من السكر والأقسما وغير ذلك، وفيها يكون السكر المخصوص بالمشروب، وبها الأواني النفيسة من الصيني الفاخر من اللازوردي وغيره مما تساوي السكرجة الواحدة اللطيفة منه ألف درهم فما حوله، ووظيفة الشاد بها تكون لأمير من أكابر أمراء المئين الخاصكية المؤتمنين، ولها مهتار يعرف بمهتار الشراب خاناه متسلم لحواصلها، له مكانة علية، وتحت يده غلمان عنده برسم الخدمة، يطلق على كل منهم شراب دار، وسيأتي في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة معنى الإضافة إلى الدار في ذلك ونحوه.
الثاني الطشت خاناه. ومعناه بيت الطشت، سميت بذلك لأن فيها يكون الطشت الذي تغسل فيه الأيدي والطشت الذي يغسل فيه القماش، وقد غلب عليهم استعمال لفظ الطشت بشين معجمة مع كسر الطاء، وصوابه بالسين المهملة مع فتح الطاء، وأصله طس بسين مشددة فأبدلت من إحدى السينين تاء للاستثقال. فإذا جمع أو صغر، ردت السين إلى أصلها، فيقال في الجمع طساس وطسوس، وفي التصغير طسيس. قال الجوهري: ويقال فيه أيضاً طسة، ويجمع على طسات، والناس الآن يقولون طاسة ويجمعونه على طاسات، ويجعلون الطست اسماً لنوع خاص، والطاسة اسماً لنوع خاص.
وفي الطشت خاناه يكون ما يلبسه السلطان من الكلوتة والأقبية وسائر الثياب والسيف والخف والسرموزة وغير ذلك.
وفيها يكون ما يجلس عليه السلطان من المقاعد والمخاد والسجادات التي يصلي عليها وما شاكل ذلك، ولها أيضاً مهتار من كبار المهتارية، يعرف بمهتار الطشت خاناه، وتحت يديه عدة غلمان بعضهم يعرفون بالطشت دارية، وبعضهم يعرف بالرختوانية. وله التحدث في تفرقة اللحم على المماليك السلطانية من الحوائج خاناه إقامة قباض اللحم، ويطلق على كل من غلمان الطشت خاناه وقباض اللحم بابا، وهي لفظة رومية بمعنى الأب، أطلقوها على مهتار الطشت خاناه تعظيماً له، غلبت على من عداه، ولغلمانها دربةٌ بترتيب الأحمال التي تحمل على ظهور البغال للزينة في المواكب العظيمة ونحوها، يأتون فيها من بديع الصنعة والتعاليق الغريبة بكل عجيب، وهم يتباهون بذلك، ويسامي بعضهم بعضاً فيه.
الثالث الفراش خاناه. ومعناها بيت الفراش، وتشتمل على أنواع الفرش من البسط والخيام؛ ولها مهتار يعرف بمهتار الفراش خاناه، وتحت يده جماعة من الغلمان مستكثرة مرصدون للخدمة فيها في السفر والحضر يعبر عنهم بالفراشين، وهم من أمهر الغلمان وأنهضهم، ولهم دربةٌ عظيمة في نصب الخيام حتى إن الواحد منهم ربما أقام الخيمة العظيمة ونصبها وحده بغير معاون له في ذلك، ولهم معرفة تامة بشد الأحمال التي تحمل في المواكب على ظهور البغال، يبلغ الحمل منها نحو خمسة عشر ذراعاً.
الرابع السلاح خاناه. ومعناها بيت السلاح، وربما قيل الزردخاناه ومعناها بيت الزرد لما فيها من الدروع الزرد؛ وتشتمل على أنواع السلاح: من السيوف، والقسي العربية، والنشاب، والرماح، والدروع المتخذة من الزرد الماتع، والقرقلات المتخذة من صفائح الحديد المغشاة بالديباج الأحمر والأصفر، وغير ذلك من الأطبار وسائر أنواع السلاح، ويقل بها قسي الرجل والركاب لعدم معاناتها بالديار المصرية، وإنما تكثر بالثغور كالإسكندرية وغيرها، وفي كل سنة يحمل إليها ما يعمل بخزائن السلاح من الأسلحة، يجعل على رؤوس الحمالين ويزف إلى القلعة ويكون يوماً مشهوداً، وفي هذه السلاح خاناه من الصناع المقيمين بها لإصلاح العدد وتجديد المستعملات جماعة كبيرة، ويسمى صانع ذلك الزردكاش، وهي لفظة عجمية وكأن معناها صانع الزرد، ولها غلمان أخرى وفراشون بسبب خدمة القماش وافتقاده.
الخامس الركاب خاناه. ومعناها بيت الركاب، وتشتمل على عدد الخيل من السروج، واللجم، والكنابيش، وعبي المراكيب، والعبي الإصطبليات، والأجلال، والمخالي وغير ذلك من الأصناف التي يطول ذكرها؛ وفيها السروج المغشاة بالذهب والفضة المطلية والساذجة والكنابيش المتخذة من الذهب المزركش المزهرة بالريش، وغير مزهرة، والعبي المتخذة من الحرير وصوف السهك، وغير ذلك من نفائس العدد والمراكيب ما يحير العقول ويدهش البصر، مما لا يقدر على مثله إلا عظماء الملوك. ولها مهتار متسلم لحواصلها يعبر عنه بمهتار الركاب خاناه، وتحت يده رجال لمعاضدته على ذلك.
السادس الحوائج خاناه. ومعناها بيت الحوائج، وليست على هيئة البيوت المتقدمة مشتملةً على حاصل معين، وإنما لها جهة تحت يد الوزير منها يصرف اللحم الراتب للمطبخ السلطاني والدور السلطانية ورواتب الأمراء والمماليك السلطانية وسائر الجند والمتعممين، وغيرهم من أرباب الرواتب الذين تملأ أسماؤهم الدفاتر، وكذلك توابل الطعام للمطبخ السلطاني والدور السلطانية، ومن له توابل مرتبة من الأمراء وغيرهم، والزيت للوقود، والحبوب، وغير ذلك من الأصناف المتعددة؛ ولها مباشرون منفردون بها يضبطون أسماء أرباب المستحقات ومقادير استحقاقهم، وهي من أوسع جهات الصرف حتى إن ثمن اللحم وحده يبلغ ثلاثين ألف درهم في كل يوم خارجاً عما عداه من الأصناف، وربما زاد على ذلك.
السابع المطبخ. وهو الذي يطبخ فيه طعام السلطان الراتب في الغداء والعشاء والطاريء في الليل والأسمطة التي تمد بالإيوان الكبير بدار العدل في أيام المواكب، ويحمل إليه اللحم والتوابل وسائر الأصناف من الحوائج خاناه المتقدمة الذكر بقدر معلوم مرتب؛ يستهلك فيه في كل يوم قناطير مقنطرة من اللحم والدجاج والإوز والأطعمة الفاخرة؛ وله أمير من الأمراء يحكم عليه يسمى أستادار الصحبة وتحت يده آخر يعبر عنه بالمشرف؛ وله طباخ كبير معتبر يعبر عنه باسباسلار.
الثامن الطبلخاناه. ومعناها بيت الطبل، ويشتمل على الطبول والأبواق وتوابعها من الآلات؛ ويحكم أمير من أمراء العشرات يعرف بأمير علم، يقف عليها عند ضربها في كل ليلة، ويتولى أمرها في السفر؛ ولها مهتار متسلم لحواصلها يعرف بمهتار الطبلخاناه؛ وله رجال تحت يده ما بين دبندار: وهو الذي يضرب على الطبل، ومنفر وهو الذي يضرب بالبوق، وكوسي، وهو الذي يضرب بالصنوج النحاس بعضها على بعض وغير أولئك من الصناع.